اعلان ادسنس

مصطفي زلوم يكتب :عفاريت برسكوني في رمضان




عفاريت برسكوني في رمضان

نظراً لأن الفنان الكبير قد أصبح "كُهنة" ولن يستطع إبهار نملة أو غيمة أو حتى "قملة" كان لابد من مساعدته، والمعالجة السينمائية والخدع لن تفيد، خاصة مع مثل من هُم في سنه! فإظهاره وإخاراجه على أنه سوبر مان ذا عضلات وحركات سيأتي خادعاً للمتلقي الساذج.. فكان لزاما على (يوسف معاطي) أن يعالج الموقف معالجة درامية خيالية ربما تنطلي على العقول الخربة، فكانت الجنُ والعفاريت والخزعبلات القديمة، وكأننا قد عدنا لسينما الخمسينات والستينات أيام الفانوس السحري عفريتة هانم وسفير جهنم.. إلخ!
مسلسل (عفاريت عدلي علام) محاولة أخيرة لإنقاذ النجم المنتهية صلاحيته منذ أربعة عقود عادل إمام من براثن التحلل وعوامل الفناء التي ضربت أطنابها حول جسده وعقله وخلاياه.

رجلٌ في الثمانين -كما يراه المؤلف الملاكي- وإن كان النجم السابق ربما يزيد سنهُ عن ذلك بكثير، عاشق مع إيقاف التنفيذ، مُحب يكتم حبه منذ أزمان، تقع في حبه شابة من فتيات الجن الطيب، شابة جنية جميلة لا يزيد عمرها عن مئاتين عاما، بحسب أعمار الجن في الدراما "الفنتازية" المصرية. تعجب بشخصه دون التدقيق في تضاريس وجهه ولا احدوداب ظهره ولا اهتراء أسنانه ولا تخلل ركبه.. إلخ، ثم تقرر ان تكون جنية ملاكي وعشيقة سُفلية تقدم له المساعدات العينية والمادية. في خضم هذا يواجه "عدلي" كل متاعب الحياة، ويتصدى لكل مخالفات الزمن الردي! دون أن يتقدم خطوة واحدة على طريق المال أو الاعمال.. لدرجة أنه لا زال يكتب رسائل علمية وكتب ودراسات ومقالات لأشباه المثقفين والمتعلمين من وراء الظل، لا زال يبيع عقله لمن يدفع الثمن، رغم إنه يمتلك القوة الخارقة التي باستطاعتها -بحسب الرؤية الدرامية المريضة- أن تقلب حياته رأسا على عقب، وتستطيع أن تعيده شابا صغيرا جميلا كما يتمنى أي هَرِم! لكن يظل الرجل العجوز كما هو دون أي تقدم ملحوظ، اللهم إلا صبغة رأس تعيده سنين بسيطة للوراء، رغم أنها قد أبهرت جيرانه الجالسين دوما على المقهى ليس لهم ثمة شغلانة غير متابعة حركات عدلي وأهل بيته! وقد سقط عمداً المشاهد البسيط مثلي من قائمة المستهدفين بالإبهار والإمتاع.

إن الدراما المصرية الرمضانية التي تصر على الولاء والبراء المخلي من أي إثارة لصالح دافعي الثمن، والتي تدهس عقل المشاهد الغلبان، ليس ضمن حساباتها ذوق المتلقي أو قدرته الاستيعابية. الدراما "الخاصة" ليس على جدول اهتماماتها احترام عقلية المشاهد.. فهل يعد هذا فنا يا سادة؟! عندما يهوي النجم -عندها- من عليائه ويقع بحكم الجاذبية العمرية إلى أرض النهاية فإن رصيده البنكي لن يتركه يرتطم بقاع العزلة، ويتلطخ بقيعان النسيان، حينها يسارع بتقديم المساعدات الممكنة والغير ممكنة، ما يقوم منها على مغازلة العقلية البدوية الصعيدية القائمة على اعتبار احترام "السن" والوفاء للتاريخ الماضي. فإن تصادم هذا الإجراء الإنقاذي السريع مع سرعة جريان النهر الشاب المتدفق، أسرع الرصيد السالف الذكر بإقامة السدود والحواجز حول معصم النهر لحصره لصالح المارد الهيكلي الصاعد من بين الرفات، وليبقى الهيكل العظمي شبحا يخيف المواهب المنكمشة على نفسها المتقوقعة على ذاتها خوفا وإهمالا! ويتمدد الهيكل سادا الأفق رغم تفتت أوصاله وتخلخل مفاصله.

سبوبة يترزق منها شرذمة من العواطلية والجالسين على تلال المال مفزوعين من ضياع مليمتر مما يقبع تحت مقاعدهم من دراهم! فإن أحسوا ببداية الزوال أسرعوا بتقديم طقوس العبادة على طريقة راقصي "ستربتيز" المسارح الإباحية، فيتنازلون على تترى عن كل ساتر يسترهم، حتى ورقة التوت الأخيرة.. وتستمر الحياة الفنية القبيحة متحدية كل عوامل الفناء، حتى تصطدم يوما بالفناء ذاته، حينها لن يبقى لديهم سوى التاريخ الذي صاغوه بأيديهم، ليمحقوه بأيديهم أيضاً.

عادل إمام يذكرني برئيس وزراء إيطاليا الأسبق (سلفيو برلسكوني) ذالك الملياردير العجوز الذي استطاع بماله ونفوذه أن يصنع كل شيء وأي شيء، بداية من إقامة امبراطورية مالية عملاقة، مرورا برئاسة الحكومة الإيطالية، وصولا لاصطناع فضائح جنسية لنفسه جعلت منه يوما ما معبود الفتيات الصغيرات حول العالم، وحلم الباحثات عن الثراء السريع والشهرة المؤقتة. ثم في لحظة انتهى.. وسقط سهوا من ذاكرة التاريخ! بعدما ذهب وأخذ معه كل أكاذيبه وأساطيره التي صنعها لنفسه! ولم يعد له ثمة ذكرى طيبة أو حتى خبيثة. وتستمر الحياة النابضة بالدماء الطاذجة رغم أنف الهياكل المُحَطِمَةَ لذاتها دون أن تدري.


اخبار البلد

اخبار البلد تهتم بكل اخبار مصر السياسية والاجتماعية والرياضة والصناعية والاقتصادية

إرسال تعليق

اترك رسالتك وسنرد عليك في أقرب وقت ممكن

أحدث أقدم
اعلان ادسنس اول المقال
اعلان ادسنس نهاية المقال
اعلان ادسنس بعد مقالات قد تعجبك

نموذج الاتصال