اعلان ادسنس

مصطفى زلوم يكتب / سياسة الكذب الرسمي!!

سياسة الكذب الرسمي!! #كنت_هناك.
بينما نحن جلوس في المسجد؛ وبعدما فرغ الإمام من خطبة الجمعة والصلاة وألقى السلام.. إذا بالمسجد يتم احتلاله من قبل قوات أمن خاصة بسترات مدنية. مدججين بأسلحة متقدمة ويلبسون النظارات السوداء؛ ولهم وجوه عابسة صارمة قاسية كأنهم زبانية العذاب أو خزنة جهنم! ماذا حدث؟!
كنت بنهايات عام ١٩٩٩ ومطلع عام ٢٠٠٠ بمنطقة توشكى جنوب غرب جمهورية #مصر الكوميدية! كنت كسائح مغترب جاء من الشمال ليتابع سير العمل بعين رقيب ساخر لاذع يهوى الضحك؛ فظللت هناك شهورا؛ ولما كان لأحد الأقارب شركة مقاولات مشاركة في أعمال الحفر؛ كان للعبد لله ثمة وقت يطالع فيه الكتب؛ ويشاهد المواقف اللذيذة؛ ويحكي مع العمال بما يفتح الله به عليهم أو عليه! وجاء شهر رمضان ونحن كذلك؛ وانقلب العمال الحشاشون المتابعون الجيدون لأفلام (البورنو) على المقاهي ليلا إلى عباد ونساك وزهاد! فقررت الصيام هناك والإفطار بالشمال.
مر الشهر الفضيل سريعا بين هؤلاء العمال المصابين بالشيزوفرينا الاجتماعية المقيتة؛ لكنهم وبحق.. كانوا ظرفاء جديرين بالرفقة الحسنة والعشرة الطيبة! فكان "محمد" وحماد رحمه الله وياسر وجمعة سامحه الله وهو مهندس مساحة. كان أولئك سلوتي وبلوتي عندما يحل المساء؛ لما يفعلون ويقولون من كلام مضحك؛ خاصة وأنهم من محافظات شتى؛ ولهم لهجات شتى؛ مع اختلاف واضح في الثقافات والبيئات.
وأقبل العيد: وبدأ القوم يرتبكون في جمع المهام والثياب المتسخة والمتناثرة هنا وهناك؛ ليصبح ويمسي هم الراتب القادم من العاصمة هو الحاضر الغائب بين جوانح هؤلاء الغلابة؛ فهم جميعا من محافظات جنوبية؛ ويأملون في العودة سريعا؛ ولو لم يأت الراتب عبر البنك مصحوبا ومزينا بالعيدية السنوية فذا يعني سفرهم جميعا للقاهرة؛ وفي أيام زحمة العيد يعني هذا السفر ضربا من ضروب المشقة؛ لكن بالمقابل هم فقراء تعساء يحتاحون ذلك المبلغ السخيف؛ ولا يستطيعون الدخول على ذويهم مفلسين هكذا. وعندها اختفت الضحكة من على أغلب السحنات؛ وضاعت من أفواههم القفشات والبسمات؛ ليحل الهم بالقلب؛ وليضرب التقضب أحباله الصماء على تلك الجباه؛ وكأن الواحد منهم قد مات له عزيز.
وتأتي الجمعة اليتيمة؛ وهي آخر جمعة في الشهر المعظم؛ وكأنها جاءت بالسرور والحبور؛ برغم أن الموظف الجالس هناك تحت تكييف المكتب الوثير بالعاصمة يتابع برامج الترفيه والتسلية الرمضانية لم يفتأ يكلف نفسه وجسده المترهل عناء التحويل البنكي بحجة الصيام تارة؛ وبحجة الأجازات والسخافات تارات أخرى؛ وكأن قطيع عمال الجنوب أولئك جرذان لا خير فيهم ولا فائدة ترجى من ورائهم!
وفي المسجد الملحق بالموقع وهو مسجد كبير مبني من الصاج المجلفن؛ وله أعمدة ومنبر من الألموتال الأبيض؛ وبه تكييفات كثيرة وإضاءة مبالغ فيها؛ مفروش بالفرش البلاستيكية الخضراء. وما أن أنتهت الصلاة وسلم الإمام على الجانبين إلا واحتل المسجد من قبل قوات أمن أحسبهم (أمن دولة) بزي مدني؛ ضباط كبار وصغار وأفراد أمن ببزات مدنية تفرق كثيرا عن ما يرتديه الضباط؛ حتى بدى الواحد منهم في "الطقم" الكامل الغير متناسق كمحاميي الأرياف! وفي ثوان معدودة تم نشر كاميرات ضخمة بأركان المسجد الأربعة؛ ودخل شباب "كاجول" كأنهم مخرجون ومعدون وفنيو إضاءة. كل ذلك ونحن جالسون مشدوهون وقد صدرت الأوامر بعدم مغادرة أحد منا مكانه ولو إلى الحمام؛ ثم دخل رجل معمم أزهري السمت يتهادى بجبته الوسيعة؛ وعمامته الملونة تكاد تسقط من على رأسه من شدة تمايله وتهاديه بين المصلين وهو يسير في خيلاء كالأوزة العزباء!
صعد الرجل الأزهري المنبر وأخذ الأمر من المخرج بالكلام فأخذ يكبر ويهلل وكأنه #الناصر_صلاح_الدين يتابع معركة #حطين؛ ثم شرع في خطبة العيد؛ ماذا حدث؟! هكذا تساءل أكثرنا من المستجدين؛ غير أن الأقدمين كانوا في ثبات ونوم عميق وكأن شيئا لا يحدث. وأشار المخرج بالتوقف؛ فصمت الشيخ المعمم وكأن الوقود قد نفذ منه؛ ثم هرول نازلا خارجا من الباب لا يلوي على شيء؛ لتخرج الكاميرات والمعدات والشباب والضباط والأفراد ثم نحن. كل ذلك ولا ندري ما الذي حدث ولماذا حدث!
لم تتأخر الإجابة كثيرا عن تساؤلاتنا فقد جاءت يوم العيد؛ وقد عاد كل مغترب لبيته؛ ليطالع خبرا متلفزا مدعوما بالفيديو يقول.. (عمال توشكى يرفضون السفر والعودة إلى ديارهم ويصرون على أداء صلاة العيد بالمواقع)؛ والفيديو يبث كذبه؛ وإذا بي أرى نفسي وأنا جالس بالصف الثاني أتمم في نفاق؛ وكأنني أتلو صلوات وأذكارا؛ غير أن الحقيقة كان فاجعة؛ فقد كنت حينها أردد.. (ما هذا الهبل؟) تسعة وتسعين مرة. رغم أن الموقف لم يكن يحتاج أكثر من #تحيا_مسر ثلاث مرات!!

اخبار البلد

اخبار البلد تهتم بكل اخبار مصر السياسية والاجتماعية والرياضة والصناعية والاقتصادية

إرسال تعليق

اترك رسالتك وسنرد عليك في أقرب وقت ممكن

أحدث أقدم
اعلان ادسنس اول المقال
اعلان ادسنس نهاية المقال
اعلان ادسنس بعد مقالات قد تعجبك

نموذج الاتصال