واقعنا الخرافي!!
خرج رجل في الجاهلية من بني عذرة يمشي ليلا. فسباه ثلاثة من الجن وأخذوه معهم؛ فظل فيهم دهرا ثم عاد ﻷهله يحدثهم بحديث عجيب عن الجن ومعيشتهم وأحوالهم وما كان فيهم! فظلوا يسمعون ويتعجبون من حديثه. حتى شاع صيته في القبائل والبلدان؛ ثم انتقل عبر القرون والأزمان إلى أن وصل إلينا نحن المتأخرين. فصرنا كلما حدثنا أحد بحديث خارق قلنا عنه. حديث "خرافة"!! فمن هو خرافة؟!
هو خرافة بن شهب الليث بن عاذار من بني غذرة من جهينة. وكانت حياته قبل الرسالة المحمدية بكثير؛ أي في العصر الذهبي للأدب والشعر والموسيقى والخيال؛ العصر الذي يطيب للبعض أن يسميه (عصر الجاهلية)! وهو ليس كذلك. فإن كان من أجل أن أهله لم يكونوا مسلمين؛ فلم يكن الإسلام قد ظهر بعد؛ لكن كان هناك الدين الإبراهيمي الحنيف. وكانت هناك دعوات سماوية كثيرة؛ لذا ليس الوصف بالمنصف. المهم:
خرج خرافة يمشي ليلا فأسره ثلاثة من الجن. وظل لديهم دهرا ثم عاد؛ ليخبر أهله بأحاديث استملحوها لكنهم لم يستطيعوا أن يصدقوها؛ حتى صار علامة على الحديث الخارق المستملح.
ولكن وبرغم شيوع ذكر الرجل لم أعثر على عينة مما حدث به أهله. لكن دعونا نتصور أن خرافة هذا رجل من عصر ما قبل ألف عام فقط. وأنه قفز إلى عصرنا هذا وشاهد ما نحن فيه الآن؛ ثم عاد لأهله يحدثهم عن أن ببلاد كذا وكذا وجدت بشرا لا يجدون الفتات الذي يسد جوعهم في بلاد مملؤة بالخيرات. يحدها بحر وبحر ويقطعها نهر عذب وافر المياه؛ ورغم ذلك لا يجدون الماء الذي يشربون أو به يغتسلون!
وأن هناك قوم الواحد فيهم يحمل كل متاعه وماله في جهاز صغير يضعه داخل طيات ملابسه. يستطيع من خلاله أن يهاتف العالم أجمع؛ وهو بلا ملابس تستره أو لقمة تسد جوعه! وعلى الرغم من كل ذلك لا زال يبحث جاهدا عن أحدث أنواع تلك الأجهزة. وبذات القوم نساء لا يشغل جل تفكيرهن سوى خطوط الموضة؛ حتى لولم تستطع أن تحوزها بسبب الفقر والحاجة؛ لكنها تنتظرها على شوق ولو من باب المتعة النظرية فقط!
وأن ببلاد كذا وكذا أقواما يأكلون رقصا. ويشربون رقصا؛ ويتنفسون رقصا؛ ويحلمون بالرقص؛ وكل متع الحياة لديهم مرتبطة بالرقص والغناء والموسيقى الصاخبة. وأن هؤلاء القوم يكرهون العلم والعلماء. حتى أنهم لم ينبغ فيهم عالم قط؛ وإذا ظهر ظلوا يطاردونه حتى يهرب منهم أو يقتلوه كمدا؛ وعلى الجانب الآخر يظهر فيهم كل يوم طبال وزمار ورقاص وراقصة؛ لدرجة أنهم تبنوا كل مواهب الرقص من كل أقطار الدنيا إلى جانب راقصيهم وراقصاتهم. وتبنت كل أقطار الدنيا الهاربين من علمائهم الفارين. فاستقام الميزان من وجهة نظرهم فقط.
وهناك شعوب لا تعمل ولا ترزق. وبرغم ذلك يرون أنهم يعملون ويظنون أنهم يرزقون. ويعتقدون بأنهم سعداء لا ينقصهم شيء سوى الحب والغرام؛ فتركوا كل شيء وتفرغوا له فقط. فألف شعراؤهم ملايين الملايين من القصائد؛ وحفظها الباقون؛ ومن تبقى منهم بلا كتابة ولا حفظ قلد الآخرين فكتب ما يشبه الشعر؛ وحفظه من يشبهون الناس!! ولا زال الأمر كذلك.
ومع كل فهم يعتقدون أيضا أنهم أكثر أهل الأرض إيمانا. ومن عقائدهم أن أي شيء تريده تطلبه بلا أي مقدمات من السماء. فإن تأخر عليك.. كان العيب في السماء.
هذه بعض العينات من حديث خرافة القرن الحادي عشر مما شاهده بالقرن الواحد والعشرين. أحاديث لم يستطع خرافة العذري أن يتفوه بها؛ ولو قالها لرجموه بالنعال. لكنها وبرغم مرارتها هي الحقيقة البارزة بروز الحديد من الكباري والمطبات الاصطناعية من كل مكان؛ والفاترينات من أرصفة الشوارع؛ وأعمدة الإنارة من أنهار الطرق؛ وأغطية البالوعات من كل شبر في طول تلك البلاد الخرافية وعرضها. حديث لو صغته فقط بدون أدنى إضافة "فقط" من باب الإخبار عنه لصار من الخرافة بمكان لا يصله خرافة ولو جاء من العالم الآخر جارا كفنه خلفه. هذا إن كان قد وجد الكفن!!
خرج رجل في الجاهلية من بني عذرة يمشي ليلا. فسباه ثلاثة من الجن وأخذوه معهم؛ فظل فيهم دهرا ثم عاد ﻷهله يحدثهم بحديث عجيب عن الجن ومعيشتهم وأحوالهم وما كان فيهم! فظلوا يسمعون ويتعجبون من حديثه. حتى شاع صيته في القبائل والبلدان؛ ثم انتقل عبر القرون والأزمان إلى أن وصل إلينا نحن المتأخرين. فصرنا كلما حدثنا أحد بحديث خارق قلنا عنه. حديث "خرافة"!! فمن هو خرافة؟!
هو خرافة بن شهب الليث بن عاذار من بني غذرة من جهينة. وكانت حياته قبل الرسالة المحمدية بكثير؛ أي في العصر الذهبي للأدب والشعر والموسيقى والخيال؛ العصر الذي يطيب للبعض أن يسميه (عصر الجاهلية)! وهو ليس كذلك. فإن كان من أجل أن أهله لم يكونوا مسلمين؛ فلم يكن الإسلام قد ظهر بعد؛ لكن كان هناك الدين الإبراهيمي الحنيف. وكانت هناك دعوات سماوية كثيرة؛ لذا ليس الوصف بالمنصف. المهم:
خرج خرافة يمشي ليلا فأسره ثلاثة من الجن. وظل لديهم دهرا ثم عاد؛ ليخبر أهله بأحاديث استملحوها لكنهم لم يستطيعوا أن يصدقوها؛ حتى صار علامة على الحديث الخارق المستملح.
ولكن وبرغم شيوع ذكر الرجل لم أعثر على عينة مما حدث به أهله. لكن دعونا نتصور أن خرافة هذا رجل من عصر ما قبل ألف عام فقط. وأنه قفز إلى عصرنا هذا وشاهد ما نحن فيه الآن؛ ثم عاد لأهله يحدثهم عن أن ببلاد كذا وكذا وجدت بشرا لا يجدون الفتات الذي يسد جوعهم في بلاد مملؤة بالخيرات. يحدها بحر وبحر ويقطعها نهر عذب وافر المياه؛ ورغم ذلك لا يجدون الماء الذي يشربون أو به يغتسلون!
وأن هناك قوم الواحد فيهم يحمل كل متاعه وماله في جهاز صغير يضعه داخل طيات ملابسه. يستطيع من خلاله أن يهاتف العالم أجمع؛ وهو بلا ملابس تستره أو لقمة تسد جوعه! وعلى الرغم من كل ذلك لا زال يبحث جاهدا عن أحدث أنواع تلك الأجهزة. وبذات القوم نساء لا يشغل جل تفكيرهن سوى خطوط الموضة؛ حتى لولم تستطع أن تحوزها بسبب الفقر والحاجة؛ لكنها تنتظرها على شوق ولو من باب المتعة النظرية فقط!
وأن ببلاد كذا وكذا أقواما يأكلون رقصا. ويشربون رقصا؛ ويتنفسون رقصا؛ ويحلمون بالرقص؛ وكل متع الحياة لديهم مرتبطة بالرقص والغناء والموسيقى الصاخبة. وأن هؤلاء القوم يكرهون العلم والعلماء. حتى أنهم لم ينبغ فيهم عالم قط؛ وإذا ظهر ظلوا يطاردونه حتى يهرب منهم أو يقتلوه كمدا؛ وعلى الجانب الآخر يظهر فيهم كل يوم طبال وزمار ورقاص وراقصة؛ لدرجة أنهم تبنوا كل مواهب الرقص من كل أقطار الدنيا إلى جانب راقصيهم وراقصاتهم. وتبنت كل أقطار الدنيا الهاربين من علمائهم الفارين. فاستقام الميزان من وجهة نظرهم فقط.
وهناك شعوب لا تعمل ولا ترزق. وبرغم ذلك يرون أنهم يعملون ويظنون أنهم يرزقون. ويعتقدون بأنهم سعداء لا ينقصهم شيء سوى الحب والغرام؛ فتركوا كل شيء وتفرغوا له فقط. فألف شعراؤهم ملايين الملايين من القصائد؛ وحفظها الباقون؛ ومن تبقى منهم بلا كتابة ولا حفظ قلد الآخرين فكتب ما يشبه الشعر؛ وحفظه من يشبهون الناس!! ولا زال الأمر كذلك.
ومع كل فهم يعتقدون أيضا أنهم أكثر أهل الأرض إيمانا. ومن عقائدهم أن أي شيء تريده تطلبه بلا أي مقدمات من السماء. فإن تأخر عليك.. كان العيب في السماء.
هذه بعض العينات من حديث خرافة القرن الحادي عشر مما شاهده بالقرن الواحد والعشرين. أحاديث لم يستطع خرافة العذري أن يتفوه بها؛ ولو قالها لرجموه بالنعال. لكنها وبرغم مرارتها هي الحقيقة البارزة بروز الحديد من الكباري والمطبات الاصطناعية من كل مكان؛ والفاترينات من أرصفة الشوارع؛ وأعمدة الإنارة من أنهار الطرق؛ وأغطية البالوعات من كل شبر في طول تلك البلاد الخرافية وعرضها. حديث لو صغته فقط بدون أدنى إضافة "فقط" من باب الإخبار عنه لصار من الخرافة بمكان لا يصله خرافة ولو جاء من العالم الآخر جارا كفنه خلفه. هذا إن كان قد وجد الكفن!!