اعلان ادسنس

مصطفي زلوم يكتب : وكان حريق المجمع .. بداية النهاية!

وكان حريق المجمع .. بداية النهاية!
لكل أمةٍ تاريخ يصنعه الكبار، ويهدره الصغار، ويفرط فيه الأقزام، ويحرقه المجانين..
أما صباح يوم السابع عشر من ديسمبر من عام ٢٠١١م فكان يوم الزوال. حين أعلنت إحدى حيزابونات الإعلام الموجه أن "الثوار" قد أشعلوا النيران في أعظم خزينة تاريخية مصرية بطول البلاد وعرضها، وكانت الطامة، إنه المجمع العلمي المصري، ثم كانت أضخم علامة استفهام في العالم: ماذا جنى المجمع كي يشتعل ويسقط سقفه وتنهار جدرانه وتحترق أوراقه الثمينة؟ هل هو مقر وزارة الداخلية؟ أم مقر أمن الدولة؟ أو رواق من أروقة الحكم ومقر من مقرات الظلم! لا هذا ولا ذاك ولا تلك.. فما هو المجمع العلمي إذن..؟؟
أنشئ المجمع العلمي بالقاهرة في العشرين أغسطس عام ١٧٩٨م بقرار من نابليون بونابارت، وكان مقره في دار أحد بكوات المماليك في القاهرة، ثم تم نقله إلى الإسكندرية عام ١٨٥٩م، وأطلق عليه اسم المجمع العلمي المصري، ثم عاد للقاهرة عام ١٨٨٠م، وكانت أهداف المجمع العمل على التقدم العلمي، ونشر العلم والمعرفة.
وقد أورد المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي في مؤلفه الشهير (عجائب الآثار في التراجم والأخبار) واصفاً إنشاء المجمع العلمي وقتها قائلا:ً «... وهدموا عدة دور من دور الأمراء، وأخذوا أنقاضها ورخامها لأبنيتهم، وأفردوا للمدبرين والفلكيين وأهل المعرفة والعلوم الرياضية كالهندسة والهيئة والنقوشات والرسومات والمصورين والكتبة والحساب والمنشئين حارة الناصرية حيث الدرب الجديد، وما به من البيوت مثل بيت قاسم بك، وأمير الحاج المعروف بأبي يوسف، وبيت حسن كاشف جركس القديم والجديد... وأفردوا لجماعة منهم بيت إبراهيم كتخدا السناري، وهم المصورون لكل شيء، ومنهم أريجو المصور،... صور صورة المشايخ كل واحد على حدته في دائرة، وكذلك غيرهم من الأعيان، وعلقوا ذلك في بعض المجالس ساري عسكر، وآخر في مكان آخر يصور الحيوانات والحشرات، وآخر يصور الأسماك والحيتان بأنواعها وأسمائها...».
وضم المجمع أربع شُعب هي: شعبة الرياضيات، والفيزياء، والاقتصاد السياسي، والأدب والفنون الجميلة، وفى عام ١٩١٨م أجريت تعديلات على تلك الشُعب لتحوي الآداب والفنون الجميلة وعلم الآثار، والعلوم الفلسفية والسياسة، والرياضيات، والفيزياء، والطب والزراعة والتاريخ الطبيعي وكان يحتوى المجمع على مكتبة تضم أكثر من ٢٠٠ ألف كتاب، ومجلة. أبرزها أطلس عن فنون الهند القديمة، وأطلس باسم (مصر الدُنيا والعليا) مكتوب عام ١٧٥٢م، وأطلس ألماني عن مصر و(أثيوبيا) يعود للعام ١٨٤٢م، و(أطلس ليسوس) الذي لم يكن له نظير في العالم والذي كان يمتلكه الأمير (محمد علي) ولي العهد الأسبق، وقد أدخل مركز معلومات بمجلس الوزراء، هذه المكتبة النادرة على الحاسب الآلي.
وكان الباعث على إقامة المجمع العلمي سببين، السبب الظاهر للعيان هو العمل على تقدم العلوم في مصر، وبحث ودراسة الأحداث التاريخية ومرافقها الصناعية، وعواملها الطبيعية، فضلا عن إبداء الرأي حول استشارات قادة الحملة الفرنسية، ولكن الهدف الحقيقي هو دراسة تفصيلية لمصر وبحث كيفية استغلالها لصالح المحتل الفرنسي، ونتج عن هذه الدراسة كتاب "وصف مصر".
إذن المحتل كان حريصاً على إنشاء خزانة تحوي كل النفائس السرية التي قد يحتاجها في رحلته الاستكشافية الانتفاعية بخيرات البلاد، ويستطيع -من خلالها- تحديد الدُرر واللآلئ الغالية، أما الذي أحرقه فهو أحد اثنين، إما فاقد للهوية أراد أن يهدم المعبد على رأس من فيه، وإما لص اقتنص ما فيه من أسرار تمهيداً للاستفادة منه مستقبلا.
لقد كانت مصر في هذا التاريخ وما قبله بقليل وما بعده بكثير عبارة عن سيارة تابعة لأحد البنوك انقلبت على الطريق الصحراوي، فاجتمع عليها كل اللصوص بحجة المساعدة، لكن أحدا منهم لم يمدد أليها يد العون، بل كل واحد منهم خطف خطفة وضاع بها وسط الزحام. لقد أعلنت المذيعة عن حريق المجمع قبل حريقه بالفعل بساعة كاملة! فهل رُفعت عنها الحجب! أم جاءتها الأخبار من الفاعل على اعتبار ما سيكون؟! ورقص الثوار الجدد أمام المجمع وهو يحترق ويتآكل رافعين علامات النصر، بينما وقفت كل أجهزة الدولة تتفرج! أو تتشفى، لا دفاع مدني ولا دفاع عسكري ولا حتى سيارة مطافئ تابعة لنقطة شرطة كفر تهرمس. الكل وقف ينظر للص وهو يحمل الأمتاع ويفر هارباً، ولا أحد فعل شيئاً، ثم ها نحن نجني ثمار الكارثة، خاصة في معرض قضية ترسيم الحدود مع السعودية وفضيحة بيع الجزيرتين، فالحدود وترسيمها وخرائطها كانت موجودة ضمن كنوز المجمع المحترق، ولو كانت معنا الآن ما احتجنا لشهادة (فاروق الباز) المشبوهة، ولا نكتة (هدى جمال عبدالناصر) السخيفة، ولا صيحة الدكتورة الفاضلة (هايدي فاروق) التي ذهبت أدراج رياح تهكمات نائب الشتائم والمهاترات الشهير بالسديهات.
لقد مهدوا لأكبر سرقة في التاريخ ونحن لا ندري، حتى أسرار النيل وأطلس أثيوبيا التي لم نستطع أن نحصل على حصتنا المائية منها كان طي المخطوطات التي ذهبت، لقد بيعت مصر ولا زالت تباع قطعة قطعة حتى نفاذ الكمية، فهل كان كل ذلك صدفة؟! أم أنه مخطط قديم! ربما يضرب في القدم لما هو أبعد من قدم الوثائق الثمينة التي أكلتها النار، وأعلنتها قناة العار قبل الحادث بستين دقيقة! ويبقى السؤال يطرح نفسه.. والإجابة لقيطة لا أب لها.

اخبار البلد

اخبار البلد تهتم بكل اخبار مصر السياسية والاجتماعية والرياضة والصناعية والاقتصادية

إرسال تعليق

اترك رسالتك وسنرد عليك في أقرب وقت ممكن

أحدث أقدم
اعلان ادسنس اول المقال
اعلان ادسنس نهاية المقال
اعلان ادسنس بعد مقالات قد تعجبك

نموذج الاتصال