قد تمر عليك مشكلة تشابه الأسماء مرور الكرام في أي بلد آخر غير أم الدنيا؛ في أي بلد متأخر لا يدعم وسيلة الكومبيوتر المتقدمة لدينا ولا يسمع بها؛ ولو حتى وصل الأمر لأن تغتسل بماء وملح وتجلس القرفصاء وتقسم للضابط على رغيف عيش ناضج أنك لست هو؛ وأنك أبدا لم تذهب هناك ولم تقترف ذاك الفعل أو تلكم الجريمة؛ وقد تنام ليلتها هانئا مطمئنا بين أولادك وأهلك. أما في بلادنا المتقدمة والتي تستعمل الكومبيوتر الحديث في كل شيء خلاف تسهيل أمور الناس فالأمر يختلف! يختلف بل ويتخلف مليون خطوة للوراء.
في قسم شرطة ديرمواس التقيته؛ هو الحاج (محمد سيد طلبة سيد) من قرية ديروط الشريف التابعة لمركز ديروط محافظة أسيوط، التقيته وهو يفترش بجلبابه الأبيض الناصع الأرض، وقد مد قدميه المريضتين بالخشونة الأرض، وقد بدت عليه آثار النعمة، وعلت جبهته علامة سجود سوداء ضخمة، فكان شكله أقرب لمعتقلي السياسة ممن عجت السجون بهم هذه الأيام، خاصة بعدما ظهرت لحيته قليلا.
الحاج محمد تاجر أدوات كهربائية بالجملة، وبالجملة تأتي المصائب في بلاد العجائب. كان الرجل على سفر إلى مدينة المنيا مارا بنقطة تفتيش "كمين" أو شرك الرحمانية، وما أدراك ما الرحمانية وكمينها، ففيه تشعر بأنك مواطن مكسيكي عضوا من أعضاء المافيا العالمية وتريد الدخول لشيكاغو بكامل سلاحك الأبيض والناري، وقد وقعت أسيرا في أيدي السي آي إي، ووقع الحاج المسن في أيديهم، فسألوه عدة أسئلة من خارج المنهج، كمثال إلى أين ذاهب ومن أين قادم؟ وماذا تنوي في المستقبل.. إلخ! وبعد عدة أسئلة استفزازية من تلك أخذت بطاقته ووضعت على ما يسمى كومبيوتر فإذا به مطلوب على ذمة قضية تبديد نتيجة مطالبة أحد البنوك له بمبلغ ألفين جنيه! أقسم الحاج بالشجر والحجر والوبر أنه لا يعرف هذا البنك ولم يخطه بقدميه يوما.
وربما يكون الحاج كاذبا شأنه كباقي المتهمين الذين لا يفتأون يكذبون دائما، لكن أين الحل؟! وما الحل لو كانت تهمة قتل عمدا توجب الإعدام أو المؤبد؟! هل تضيع الرقاب هكذا هملا!! ولماذا الكومبيوتر لا يسجل البيانات كاملة؟ الاسم رباعيا مع صورة الشخص واسم الوالدة رباعيا أيضا، حتى لا نقع في براثن تشابه الأسماء، وهي معضلة كم أوقعت ناسا في مشاكل عويصة وكم عطلت آخرين أياما وألقت بهم في السجون أسابيع وأشهرا. ولو كانت المشكلة عامة وتواجه بلدانا كثيرة لكنك لن تجدها بمثل كم الغباء الذي تجده في أم الدنيا أبدا. فقد عرض الحاج المذكور على الضابط أن يدفع المبلغ بإيصال ويسترده بالإيصال عندما يثبت براءته وهو حر طليق، لكن كان رد الضابط إياه مقنعا ومنطقيا بحكم منظومة التراخي والتعطيل السائدة وهو: نحن لسنا جهة تحصيل!
وبعد ذلكم الرد العبقري ألقي الرجل بالحجز الفخيم مفترشا الغبراء منتظرا فرج الله. ولما كان انتظار الفرج عبادة ظل الرجل في حالة تسبيح وتهليل واستغفار معظم الوقت، ما خلى بعض الدقائق التي كان يخرج فيها عن شعوره فيسب كل ما يمكن سبه وما يحتمل سبه وما يستحب سبه في مثل هذه الظروف التعيسة، ثم يطرح حلولا أبداها وأخرى لم يبدها لهم ثم يمل، فيعود لحالة الدروشة والدندنة السالفة ثم ينام فيعلو شخيره إلى سابع سما. ظروف تعيسة وحظ عسر أخرج الرجل الوقور تاجر الأدوات الكهربائية عن حدود اللياقة، في ظل منظومة تافهة تأخذ كل أمور العامة باستهتار مطلق، وتواجه المشكلات بمزيد من المشاكل، وتطبق قانون الغباء الوراثي حتى إشعار آخر.
الكومبيوتر الذي طبقناه لنرتاح ونعجل قضاء الحاجات صار لعنة صماء لا روح فيها ولا إحساس، الكومبيوتر حول الشعب كله إلى مشتبه به أو مسجل خطر إلى أن يثبت العكس، فالكل أمام شاشته مطلوب على ذمة (قضية)، ولا فرق في المسمى بين مطلوب على ذمة قضية سرقة بالاكراه عقوبتها السجن المشدد وبين مطلوب على ذمة قضية تبديد غرامتها ثلاثة جنيهات وخمسة وسبعين قرشا. وحول الحاج محمد سيد طلبة إلى زميل نزيل مع بركات ملك الحركات وبطاطة وريشة بائع المخدرات. وكل هذا نتيجة (تشابه) مايسمى في كل دول العالم (أسماء) أما في بلادنا فهو تشابه غباء حصري.. مصري متين!
#مصطفى_زلوم